أشكركم على مساعدتكم للشباب العربي على تخطي مشاكله والنهوض بهم إلى أعلى مستوى من الحضارة والرقي.
أنا فتاة مثل أي فتاةٍ في هذا العالم الإسلامي تُشغلني العديد من الأسئلة والأفكار والطموح والتي أعتبرها مثل الهموم، ولا أعلم كيف أبدأ، وأسأل نفسي دائماً هل أنا ذكية؟! مع العلم بأني متفوقةٌ في دراستي و يشهد لي الجميع بالذكاء من المعلمات والطالبات والأهل ولكني غير مقتنعة بسبب أن معدلي في الرياضيات ليس عالياً (94%)، وأريد منكم إرشادات للتفوق أكثر في هذه المادة وفي المواد العلمية الأخرى مثل الفيزياء، وأتمنى أن تعطوني مواقع كي أستفيد منها في مجال التعليم.
كما أريد أن أعرف كيف أستطيع أن أختبر وأعرف مدى ذكائي؟! وإذا كان ذكائي ذكاء إنسان طبيعي - عادي - فكيف أصل إلى درجة الذكاء فوق الطبيعي. أرجو أن تدلوني؟!
ولقد قررت أن أحفظ أجزاءً من القران الكريم في هذه العطلة الصيفية بإذن الله ولكني أريد منكم نصائح لتقوية العزيمة والإرادة لأنني أخاف أن يلعب بي الشيطان، فأنا أريد أن أُقوِّي إيماني بربي وأحفظ القرآن الكريم لأنني أريد أن أفوز في الاختبار الأكبر وهو الآخرة مثلما أريد أن أفوز في اختبارات الدراسة، كما أريد أن يكون عندي معلومات كثيرة عن الدين الإسلامي.
وعندي أسئلة أخرى؛ وهي: لماذا كل ما أتوقع شيئاً يحصل عكسه مع أني أعرف أنه سوف يحصل عكس الذي أقوله، فهل هذا ضعف إيمانٍ وغضب من الله أم ماذا؟
أرجو أن تجيبوني عن هذه الأسئلة، وجزاكم الله خير الجزاء، وبارك الله فيكم.
الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم الأخت الفاضلة/ بنت فلسطين حفظها الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فهذه أسئلة كريمة وأسئلة وجيهة أيضاً، وكل سؤال منها يحتمل أن يفرد بكلام خاص وأن يأخذ صفحات متتاليات، ولذلك فسنجيبك على أسئلتك الكريمة بحسب ما يتسع له المقام، فأول ما نبدأ به هو أننا نقول:
لو أن إنساناً كان في وضح النهار والشمس بازغة فسأل فقال: ما الدليل على وجود النهار، فهل يصحُّ هذا السؤال؟! ولذلك قيل:
وليس يصح في الأذهان شيءٌ *** إذا احتاج النهار إلى دليل
فهذا السؤال الذي سألته؛ وهو: هل أنا ذكية؟! فالجواب فيه واضح. إنك بحمد الله بشهادة من حولك وبإقرار من يتعامل معك ذكية ومتفوقة بكرم الله وفضله، وهذه النسبة التي أشرت إليها في مادة الرياضيات هي نسبة ممتازة وتصنفك من المتقدمات، نعم .. قد يحصل للإنسان شيءٌ من النقص في بعض الدرجات في هذه المادة نظراً لما يبذله من وسع في مواد أخرى ولازدحام المواد عليه، وليس ذلك قلة فهمٍ منه ولا ضعفاً في القدرات في تحصيل هذه المادة.
إذن؛ فلا تبحثي عن دليلٍ على وجود النهار فإن الذكاء فيك ظاهر كظهور النهار، ولا ينبغي لكِ أن توسوسي في هذا الأمر وأن تسألي سؤالاً يجعلك كالشَّاكَّة في قدراتك؛ بل انظري في قدراتك نظرة واعية، وتأملي بحمد الله إلى ما حباك الله به جل وعلا من التفوق ومن الدرجات العالية في الدراسة، ثم بعد ذلك زيِّني هذه النظرة بشكر الله والهجي بالثناء عليه لما وهبك من هذه القدرة الطيبة الكريمة والتي نرى فيها أنها نعمة من الله جل وعلا سوف تستخدمينها في طاعة الله وفي رضوانه.
إذن؛ فلتطمئني ولا تجعلي من هذا السؤال سبباً يقلقك، ولا تجعلي من التحقق منه أمراً يحدث لك الارتباك، ولكن تأملي فيمن حولك وتأملي فيمن يُخالطك فستجدين أنهم كلهم مقرُّون بحمد الله أنكِ فتاة سليمة الفهم عاقلة مدركة، وأنك بشهادتهم ذكية لك قدرٌ حسنٌ وقويٌ من الفهم والذكاء.
وأيضاً؛ فإن الذكاء يتفاوت في الإنسان، فقد يكون ذكيّاً في جانب ويكون في جانب آخر في المستوى العادي، ولكن قد يبرز في جانب من الجوانب، فمثلاً ليس المعيار في الذكاء هو جانب التحصيل الدراسي فقط، بل هنالك جوانب أخرى، فإن الذكاء له جوانب عديدة يمكن أن يكون فيها، فهنالك الذكاء الذي يتعلق بالقدرات الاجتماعية، وهنالك الذكاء الذي يتعلق بالفهم السريع الذي يجعلك تفوقين أقرانك في الفهم وفي إدراك الأمر قبل أن يُدركه غيرك، ولهذا فإن من المقرر في البحوث الكثيرة أن الإنسان قد ينبغ في جانب وقد يكون عاديّاً في جانب آخر، وهذا قِسْمٌ من الله جل وعلا يقسمه لمن يشاء، ولذلك قيل: إن قسمة الحظوظ يدخل فيها المسائل العلمية، فكما أن الله جل وعلا يقسم الأرزاق للناس فكذلك يقسم الحظوظ في العلم وفي التحصيل، فافهمي هذا واعرفيه واطمئني ولا تفزعي ولا تتعبي نفسك في البحث عن هذا السؤال الذي قد ظهرت لك فيه الإجابة جليَّة واضحة.
وأما عن أسباب تنمية الذكاء وتنمية القدرات العلمية فهذا يحتاج منكِ إلى جملة أمور:
1- الاستعانة بالله وطلب التوفيق منه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. وقال ( وما توفيقي إلا بالله)
2- أن تكوني نظارة إلى ما يهبك الله جل وعلا من هذه النعم على أنها نعمة محضة من الله ليس لك فيها دخل وليس لك فيها سبب وإنما الفضل كله من الله جل وعلا، بحيث تردين الفضل كاملاً إلى الله جل وعلا وتقرين بعجزك وانعدام حولك وقوتك، ولذلك كانت (لا حول ولا قوة إلا بالله) من كنوز الجنة؛ كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3- يكون باكتساب القدرات وتنمية المهارات، فمثلاً في الجانب الدراسي الذي لديك ابذلي وسعك في أن تكوني عارفة في أصول التعلُّم وأصول التحصيل، فإن معرفة طريق التعلم من العلم النافع، فإن كثيراً من الطلاب والطالبات قد يكون لديهم الفهم الحسن والقوة على التحصيل ولكن لا يعرفون كيفية التحصيل السليم، فمثلاً إن أردت أن تكوني قوية في مادة الرياضيات فتأملي في الأسباب التي تجعلك تقصرين فيها، فقد تجدين أنها من قلة الضبط وهذا يحتاج منك إلى ضبط المسائل المُشْكِلة وإفرادها في دفتر خاص، فمثلاً تبدئين الدرس بتحضيره في البيت، ثم بعد ذلك تستمعين إلى المعلمة وهي تشرح الدرس، ثم إذا حصل لك إشكال فينبغي أن تسألي عنه معلمتك، وإذا رجعت إلى البيت فقمت بمراجعة الدرس الذي أخذتيه في المدرسة فلا بُدَّ أن تقيدي المواضع المهمة التي تحتاج إلى ضبطٍ وتحتاج إلى حفظٍ واستذكارٍ، فمثلاً القواعد الرياضية والقوانين التي تحتاج إلى حفظ تفردينها في دفتر خاص بحيث تسجلين القاعدة والقانون ثم بعد ذلك تكررينه تكراراً يجعلك تستحضرينه عن ظهر قلب، وتنظرين إليه من حينٍ إلى حينٍ. وإذا حصل أن وقع لكِ إشكال سألت عنه معلمتك ولو كان ذلك بعد فوات وقت الدرس، وبعد ذلك تقومين بمراجعة الدرس على هيئة سؤال وجواب، فتبدئين بقراءة الدرس من الكتاب أو من المقرر الذي قُرر عليك، ثم تستحضرين ما تستطيعين من هذا الدرس عن طريق الاستذكار، ثم بعد ذلك تلخصين الدرس على طريقة سؤال وجواب، فإذا أمكنك بعد هذا أن تنظري في كل سؤال وأن تجيبي عليه فقد استوعبت الدرس كاملاً، وإذا حصل قصور في الإجابة فقد عرفت محلَّ القصور، فهذا ينمي لك القدرة على التحصيل القوي في هذه المادة، واجعلي هذا نظاماً عاماً تسيرين عليه في جميع المواد إن استطعت.
ونود هنا لفت نظرك الكريم إلى أمر مهم وهو أن يكون لك قدر من الراحة وقدرٌ من الأخذ بإجمام نفسك وإراحتها من عناء الدراسة، فلا بُدَّ أن يكون لهذه النفس شيءٌ من الراحة؛ فهنالك التسلية المباحة والنزهة البريئة والرياضة الخفيفة كرياضة المشي التي تمارسينها مع بعض أهلك، وهنالك أيضاً زيارة الأخوات الصالحات، وهنالك الزيارات الاجتماعية لأرحامك وأقاربك، وهنالك مساعدة أهلك في البيت، فلا بُدَّ أن تعطي نفسك شيئاً من الراحة وشيئاً من الإجمام وألا تبالغي مبالغة شديدة في التحصيل الدراسي حتى يطغى على كل أمرك وعلى كل شأنك، ولربما كان لهذا انعكاس بعيد حيث يؤثر عليك بل ويؤثر على قوة تحصيلك فإن عدم راحة الذهن تؤدي إلى كلاله، فالذهن يتعب كما أن البدن يتعب ويَكَلّ، فانتبهي لهذا وخذي بوصية النبي صلى الله عليه وسلم التي أوصى فيها بأن يُعطي كل ذي حق حقه، فإن لله جل وعلا حقّاً، وإن للنفس حقّاً، وإن للأهل حقّاً، قالفأعطِ كل ذي حقٍ حقه).
فهذا المثال قد ضربناه في مجال الدراسة لأنه هو الأهمَّ لديك في ذلك الوقت، وأما عن مجال آخر كاكتساب القدرات الاجتماعية فهذا أمر لا بُدَّ من أن تنتبهي إليه، فهنالك أيضاً ذكاء اجتماعي؛ أي حسن تصرف وسلامة نظر عند التعامل مع الناس، وهو الذي يُعبر عنه في اصطلاح الناس باللباقة، فينبغي أن يكون لك رعاية لهذا الأمر، فهذا يكتسب بمخالطة العقلاء الناصحين، وينبغي أن تحرصي حرصاً كاملاً على أن يكون لك صحبة صالحة من أخواتك المؤمنات المتحجبات الصالحات اللاتي إن نسيتِ ذكَّرنَك وإن غفلتِ نبَّهْنك مع ما تجدينه من الأنس والمودة الصادقة، فإن المحبة في الله هي من أعظم عُرى الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) أخرجه الترمذي في سننه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) أخرجه أبو داود في السنن. فاحرصي يا أختي على الصحبة الصالحة، واحرصي على المخالطة الاجتماعية لأهلك وأرحامك، وانتقي صحبتك الصالحة كما تنتقين أطايب الثمر، فهذا الأمر لا بُدَّ من العناية به فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه أبو داود في السنن.
وأما عن بحثك عن الاختبار الأكبر والامتحان الأعظم وهو امتحان الآخرة فهذا بحث قد أصبت فيه غاية الصواب، نعم .. إن الآخرة هي الامتحان الأعظم وإن الآخرة هي المقصد الأجل، ولهذا ينبغي أن تشمري لهذا الأمر؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}. فليكن لك الهمة في طلب الآخرة وطلب رضوان الله جل وعلا، نعم .. كذلك تحصيل الدرجات في هذه الدنيا من الدراسة ومن الخير والمصالح الدنيوية أمر حسن، ولكن الأمر الأعظم والأجل هو تحصيل الرضا الذي يجعلك في الدرجات العليا عند الله جل وعلا، بل إنك تستطيعين أن تجعلي في تحصيل الدراسة وطلبك في تحصيل أمورك الدنيوية عبادة لله جل وعلا بحسن النية، فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فكوني ناوية أن ترفعي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الدراسة، وأن تنفعي نفسك وأن تكوني فتاة صالحة صاحبة زوجٍ صالح وصاحبة ذرية صالحة لتكوني لبنة في بناء الأمة الإسلامية، وهذا سيجعلك صاحبة عزيمة في المضي فيما علمت من الخير، فإذا أردت أن تسيري على قوة وعزيمة فتذكري الأجر العظيم الذي ينتظرك عند الله جل وعلا، وتذكري كذلك أنه لا يليق بالعاقل أن يترك المصالح العظيمة تفوته ويجلس مستحسراً خاسراً بعد ذلك وقد فاتته القافلة وهو يعضُّ أصابعه ندماً على ما فاته وعلى ما سُبق من الخير من غيره، فهذا النظر يجعلك حريصة على المضي فيما تعزمين عليه من طلب حفظ كتاب الله ومن طلب الخيرات، مضافاً إلى ذلك التعاون مع أخواتك الصالحات، فإن النفس تنشط إذا كان هنالك من يعين من الأخوات الصالحات ومن يُذكِّر، وهذا قد أشرنا إليه في أول الكلام.
وأما عمَّا أشرت إليه من أنك أحياناً تتوقعين بعض الأمور ثم يحصل نقيضها فهذا أمر هو مجرد قدر من الله جل وعلا فلا تلتفتي له ولا تقفي عنده، وإنما ابذلي وسعك في طاعة الله وفي الرِّضا بما قسم الله جل وعلا، وهذا هو الذي يُطلب منك، وأما تصريف الأمور فَكِلِيها إلى الله جل وعلا؛ فقد قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}.
ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباده الصالحين.