بسم الله الرحمن الرحيم
يهدّد المسجد الأقصى اليوم عشرة أخطار عظيمة ، والخطـر العاشـر هـو أخطر بكثير منها كلّها :
فالخطر الأول : تهويد القدس بالإستيطان ، وهذا الخطر العظيم يجري بصمت عجيب مريب ، فقد كشف مدير دائرة الخرائط ، والمساحة ، في بيت الشرق في القدس مؤخراً ، أنَّ الصهاينة سيطرحون مشاريع لتنفيذ أكبر مخطط صهيوني استيطاني منذ النكبة في الضفة ، بما فيها القدس ، وتكلفته مليار، ونصف مليار دولار ، وعلى مدى خمس سنوات.
وهو يوصف بأنـّه أضخم المشاريع الاستيطانية التي تبنّتها حكومة نتيناهو المتطرفة وجعلتها أوْلى ، وأهم ، مهامّها ، ويمتـد من منطقة اللطرون ، إلى الجانب الشرقي من القدس المحتلة ، حتى منطقة بيت لحم ، ويشمل إقامة بنية تحتية للمستوطنات ، وسكة حديدية للربط بينها ، إضافة إلى إقامة مصانع خاصة لليهود
وهدفه تكثيف أعداد اليهود في المدينة المقدسة ، إضافة إلى نقل يهود من منطقة الساحل إليها، بعدما توجّه قريب من مليون إسرائيلي في أزمنة سابقة ، من المدينة المقدسة إلى منطقة الساحل .
ويقدر عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس بحوالي نصف مليون ، 300 ألف منهم يعيشون في 145 مستوطنة في الضفة الغربية ، و193 ألفاً يعيشون في 15 مستوطنة في القدس ، ومن شأن أيّ مخططات جديدة أن ترفع عدد المستوطنين إلى مليون.
والرؤية الصهيونية هي أن لايتعدى عدد السكان الفلسطينيين في القدس 12 % فقط ـ هم الآن 35 % ـ ولذلك يتم تهجير الفلسطينيين ، بشكل ممنهج ، ويُستخدم في ذلك كلّ الوسائل اللانسانية ، فلا يعطى الفلسطيني رخصة بناء تقريبا ، أو يشترط دفع عشرات الآلاف من الدولارات لمنحه رخصة بناء لغرفتين أو ثلاثة في منزله ! ، ومن ذلك هدم البيوت ، فقد تمّ هدم أكثر من 170 بيتا ـ مع تراكم سابـق تمّ هدم 8500 منزل ـ مع تحميل الفلسطيني تكلفة الهدم ، التي قد تصل إلى 25 ألف دولار ، وثمة 11 ألف بيت فلسطيني في القدس على لائحة التدمير !
ومن الأسباب التي تحض الصهاينة على الإسراع في هذا هو الخوف من معدل النمو العالي جداً في الفلسطينيين في القدس ، فهو يفوق معدل النمو في اليهود أربعة أضعاف
وهذا أيضا من أهم أهداف الجدار العازل للصهاينة ، فقد تم به طرد عشرات الآلاف من المقدسيين ، وفقدانهم هويتهم المقدسية ، ومصادرة أراضيهـم.
والثاني : الأنفاق ، والحفريات، وقد تم إنشاء شبكة أنفاق تحت الأقصى ، والقدس القديمة ، وحي سلوان ، وأكمل الصهاينة حفرها ، ويجري ربط شبكات الأنفاق في هذه المناطق الثلاث ببعضها ؛ وهذا يعني حصار الأقصى بشبكة أنفاق من أسفله ، وتعريضه للإنهيار.
وآخر جرائم الصهاينة في الحفر تحت الأقصى ، ما نشرته ( مؤسسة الأقصى للوقف والتراث ) في شهر مارس من هذا العام ، في تقرير لها عن مخطط صهيوني تكفل بتكاليفه رجل الأعمال اليهودي باروخ كلاين ، عن حفر نفقين جديدين لربط حيّ الشرف الفلسطيني في البلدة القديمة بالقدس ـ يُسمى الآن الحيّ اليهودي ـ بساحة البراق غربي المسجد الأقصى ، ويبلغ طول النفق الأول 56 مترا ، والثاني 22 مترا ، مع مصعد عمودي، وممر أفقي ، لتسهيل وصول السياح الصهاينة ، وغيرهم إلى حائط البراق ، والمسجد الأقصى
وقبل شهر نشرت المؤسسة ، ما يثبت شقّ نفق جديد تحت بلدة سلوان غربي مسجد عين سلوان ، ووصل طوله حتى سبتمبر ، إلى أكثرمن 120 مترا ، وبعرض 1,5 متر وبارتفاع 3 أمتار ، ويتجه النفق شمالاً باتجاه المسجد الأقصى ، كما نشرت أن شبكة الأنفاق التي تشق أسفل البلدة القديمة في القدس ، تمتد من سلوان إلى حارة المغاربة ، وتتصل بأنفاق تحت الأقصى مباشرة ، حتى وصلت إلى أسفل كأس المسجد الأقصى ، كما يخطط الصهاينة لإنشاء خط قطار صغير تحت الأرض ، يقود إلى ساحة قرب حائط البراق.
والثالث : تغيير المعالم الإسلامية حول المسـجد الأقصى ، ببناء تسع حدائق حوله ، وبناء اكبر كنيس في العالم أمامه حيطانه من زجاج ، وعدة كنس يهودية تحيط بالأقصى، و(تلفريك) للسياح ، ومواقف لسيارات السياح من عدة طوابق ، ومنشآت سياحية أخرى .
والرابع : سرقة الوثائق الإسلامية ، حتى قام الصهاينة مؤخـرا بمصادرة كلِّ الوثائق المتعلقة بالمسجد الأقصى ، والقدس ، من (مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية) ، بما فيها من خرائط ، وتقارير ميدانية ، وقياسات هندسية ، وأفلام ، تثبت بالتفصيل الآثار ، والمقدسات الإسلامية في القدس ، وتقدر قيمة الوثائق بمليارات الدولارات.
والخامس : إنفاق أغنياء اليهود 200 مليون دولار سنويا على مشروع تهويد القدس .
والسادس : سلطة عباس ـ دايتون ، التي شلّت المقاومة في القدس ، وعطلت قدرة المجاهدين فيها عن تخريب المخطط الصهيوني لتهويدها ، وذلك بالزجّ بآلاف السجناء في معتقلات ، يلقون فيها تعذيبا أشد من تعذيب الصهاينة ، وذلك يتم إثـر عمليات استخباراتية دقيقة ، وواسعة تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ، بالتعاون مع الصهاينة ، لمعرفة كلّ من يحمل فكر المقاومة في الضفة ، ثم ملاحقته ، وسجنه ، وتعذيبه ، مع التضييق على أسرهم ، ومن يتعاطف معهم ، بحجز الرواتب ، والفصل من العمل ..إلخ .
والسابع : حصار غزة ، لعزل الحركات المسلحة فيها ، وإجبارها على التخلّي عن خيار المقاومة ، مع محاولة تأجيج الصراعات الداخلية ، لزرع الفتن في جبهة غزة الداخلية ، لزعزعتها ، وإضعافها .
وهذا الحصار ، و العزل ، تولـّى كبـره إثمهما النظام المصري ، ثم كلّ الأنظمة العربية الأخرى ، فإليها ، وعليها ، وزره العظيم ، الذي هو من أعظم التهديد للمسجد الأقصى .
والثامن : نشر الجيوش الصليبيّة في البلاد العربية ، بالإحتلال ، أو القواعد العسكرية ، لإرهاب العالم الإسلامي ، وحصاره نفسيـّا ، ومعنويا ، وتقطيع أوصاله ، وتعطيل قدراته لحشد الدعم للمقاومة في فلسطين ، ولرعاية مثيـري الفتن الداخلية فيه ، ومن أبرزها فتنة الصفوية التي تحرضها من وراء الأكمة الدوائر الصهيوصليبية ، وهذه الفتنة الصفوية التي تصنع من نفسها (شريفة) في قضية فلسطين ، هي ذاتها (العاهرة ) التي دعت ، ومهدت للإحتلال الصليبيّ للعراق ، وأفغانستـان ، لتصفية قضية فلسطين !
والتاسع : إبقاء كلّ الشرفاء في العالم الإسلامي ، من مجاهديه ، ومفكريه ، ودعاته ، إلى مؤسساته الإسلامية ، في قفص الإتهام بـ( الإرهاب)، لإشغالهم بموقف الدفاع ، وشلّ حركتهم ، وتخويفهـم ، ومنعهم من الدعم المادي ، والمعنوي ، والعسكري ، للجهاد الفلسطيني، لحماية الأقصـى.
والعاشـر : نشر ثقافة الهزيمة ، والخنوع ، والخضوع للأجنبي ، بشتّى الوسائل الخدّاعة ، على رأسها بناء سائـر المؤسسات التغريبيّة ، من جامعات أجنبية ، ومراكز ثقافية ، وإعلامية ..إلخ
ورعاية ، وإبراز الرموز التي تدعم هذا الإتجاه ، أو تهوّن خطره ، سواء الرموز الدينيّة من (فقهاء التسوّل) ، والعلمانية أذناب السفارات الأجنبية .
وإشغال العالم الإسلامي بهذه الثقافة ( المخنَّثة ) تحت شعارات زائفة : (الوسطيّة الأمريكية المحرّفة التي تحارب الجهاد وفكر المقاومة! ) ، ( حـوار الأديان الموظف سياسياً للمشروع الصهيوغربي !) ، ( محاربة الإرهاب والتطرف لتشجيع الإسلام المعتدل! ) ـ وهو عندهـم الذي يرحّب بالإحتلالات والهيمنات الأجنبية على بلاد الإسلام ـ ، ( الإنفتاح ، والتطبيع ، والحوار مع العدوّ الصهيونيّ بدل الكراهية والحرب !) ، ( التركيز على التنمية الإقتصادية ، بدل الحروب ) ..إلخ
والعجيب أنـّه بينما ينفق يهود العالم 200 مليون دولار فقط لتهويد القدس ، تذهب مليارات العرب ـ وغـزّة تموت جوعا والأقصى يُهدَّد بالهدم ـ هباءً في خسوفات البورصة ، فلا هـم نصروا مقدساتهم ، ولا سلمت لهم أموالهم !!
ومع نشر هذه الثقافة الإنهزامية التي أنشأت جيلا من ( مشايخ الخصيان ) الذين يرون أمّتهم تُذبح ، وأقصاهم مُهدد ، ثم يعلون المنابر الدينية ليمدحوا ولاة أمر كلنتون ونتيناهو على مناقبهم العظيمة !
مع نشر هذه الثقافة اللعينة ، محاربة ثقافة المقاومة ، وفكر الجهاد ، وروح الإعتزاز بالإنتماء للإسلام ، وعقيدة الإستعلاء الحضاري ، ووصفها بالشعارات البالية والمستهلكة ، ثـمّ بكلّ الأوصاف المذمومة ، وملاحقة ، ومحاصرة دعاتها ، ووضعهم على قوائم الإرهاب!
وإنما قلنا إنّ هذا الخطر هو أشدّها ، لأنّ إعادة بناء جيل تـمّ هدم العزّة ، والحرية في نفوس أبناءه ، ثم (تنويخـه) بأغـلال الرقّ ، والعبوديـّة للأجنبي ـ وأخطر شيء أن يكون ذلك بإسم الدين ـ استغرق من موسى كليم الله ، وهو من أولي العزم من الرسل ، أربعين عاما ، في عزلة الصحراء ، ليعيد بناء جيل عـزيز النفس يجاهد لحقّه ،
بينما يمكن بناء المسجد الأقصى لو تهدّم في بضعة شهـور .
ولكن العجب العجاب أن محاولة الأعداء نشر هذه الثقافة، جاءت بنتيجة عكسية ، فنشأ في بلاد الإسلام جيلٌ متيّم بالجهاد ، وعاشـق الشهادة ، يرى حياة الذلَّ موتا ، والموت للعـزّة حياة ، وكلما حاربوه ، زاد إصرارا على نهجه ، وسلوكا لفجه ، حتى خرج عن السيطرة ، ووثب وثبة القسورة ، يزأر من كابل ، فيردّد صداه حماة الأقصى ، ويكبّـر من بغداد ، فيجيب داعيه أبطال غزة .
تمشي إلى الموت مشيا فيه خطرفة ** في باحة الموت حتى تنجلي الظلم
قوم كرام يرون الموت مكرمة ** إذا العذارى بدى عن سوقها الخـدم
و
ما هذه إلاَّ طلائعهـم
والجيشُ بعدُ كثورةِ البركان
والله المستعان ، وعليه توكلنا، هو حسبنا ، نعم المولى ونعم النصير.
__________________