مرت الأعوام لندخل الألفية الثالثة، إنه قرن مختلف بلا شك، بدأت نذره تلوح في الأفق منذ أواخر القرن العشرين، إنها الثورة التكنولوجية الهائلة التي تقدم لنا الجديد والمثير كل يوم بل كل ساعة، وفي خضم هذه الثورة يتجه العالم إلى تغيير العديد من المفاهيم التي اعتدناها، ويأتي الكتاب الإلكتروني كأحد تلك المفاهيم التي تغيرت لتلبس أساليب اكتساب المعرفة ثوبًا جديدًا.
جاء الكتاب الإلكتروني كنسخة عن الكتاب الورقي التقليدي يتم قراءته بوساطة الكمبيوتر أو جهاز القارئ الإلكتروني، إذ يمكن أن يأتي قارئ الكتاب الإلكتروني على شكل برنامج حاسوبي يستخدم بوساطة جهاز الكمبيوتر، كبرنامج القارئ المجاني التابع لشركة مايكروسوفت والذي يمكن تحميله مجانًا من موقع الشركة على شبكة الإنترنت، أو يمكن أن يكون جهاز كمبيوتر صغيرًا محمولاً يستخدم فقط كقارئ إلكتروني، كجهاز روكيت إي بوك من شركة نوفوميديا والذي يمكن تغذيته بعشرات الكتب دفعة واحدة من خلال الإنترنت، عندها وعندما يتجول كل نهم للقراءة في الشوارع والمحلات التجارية أو في أثناء سفره فإنه في الواقع يتجول ومعه عشرات الكتب وليس كتابًا واحدًا وبإمكان المستخدم شراء الكتب الإلكترونية التي تكون إما على شكل قرص مدمج وإما على شكل ملف يتم تحميله من شبكة الإنترنت من مواقع كثيرة مثل موقع بارنز آند نوبل. ويستغرق الحصول على الكتاب الإلكتروني من شبكة الإنترنت عادة حوالي خمس دقائق أو أقل.وتعود فكرة الكتاب الإلكتروني إلى أوائل التسعينيات، وكان من أحد مبتكريه بوب ستاين الذي توصل إليه بعد مقارنة القراءة من شاشة كمبيوتر محمول والقراءة من الكتاب التقليدي، واعتبر أن القراءة من جهاز إلكتروني لها ميزات عدة. وبرزت في أثناء مناقشة الفكرة في مراحلها الأولى اعتراضات من نوع أن جهاز القارئ الإلكتروني أثقل وزنًا من الكتاب العادي، وأن الكثير من القراء يدونون ملاحظاتهم على حواشي صفحات الكتاب العادي، أو يثنون الصفحات التي وصلوا إليها ووجدوا فيها أمرًا يهمهم للعودة إليه في وقت لاحق. إضافة إلى أن العين تصاب بالإرهاق بعد القراءة الطويلة على الشاشة. ولكن مع تقدم التقنيات والانفجار الإلكتروني الذي شهده العالم خلال الأعوام القليلة الماضية أمكن تجاوز أكثرية هذه العقبات. حيث أصبحت أجهزة القراءة الإلكترونية أخف وزنًا وأسهل استخدامًا كما أدخلت عليها برامج جديدة تتيح وضع علامات أو تعليقات على الصفحات أو الفقرات التي استقطبت اهتمام القارئ. إضافة إلى ذلك تم تحسن ميزات الصورة «الشاشة» وذلك برفع عدد النقاط في الإنش المربع من الصورة «بيكسل» وهو ما يوفر قراءة مريحة للعين.وكاستجابة للتطوراتالتكنولوجية في مجال الكتاب تعمد العديد من الدول والمؤسسات الحكومية الثقافية ودور النشر العالمية إلى دخول العالم الخاص بالكتاب الإلكتروني. فها هي مكتبة الكونغرس الأمريكي بعراقتها وضخامتها وشهرتها الواسعة تقوم الآن بدراسة مشروع لتحويل جميع كتبها التقليدية الورقية إلى إلكترونية، لتصبح في متناول أيدي جميع العالم من خلال شبكة الإنترنت ما يمكنهم من الاطلاع على الكنوز المعرفية التي تحتويها أضخم مكتبة في العالم. وها هي أيضًا إحدى مؤسسات الحكومة البريطانية قد وضعت جدولاً زمنيًا لتحويل كل مخزونها من المعلومات إلى الطريقة الرقمية، وذلك في فترة قصيرة جدًا لا تتجاوز بضع سنوات. وشهدنا مؤخرًا ما يمكن أن يوصف بأنه أكبر ثورة في عالم طباعة الكتب، وذلك عندما قامت شركة مايكروسوفت بتوقيع اتفاق مع شركة بارنز آند نوبل إحدى أكبر شركات بيع الكتب في العالم، ويقضي الاتفاق بتصميم قائمة مصورة تضم عناوين الكتب الرقمية التي يمكن مطالعتها إلكترونيًا. وتعتزم مايكروسوفت التقدم في هذا المجال، فمن المقرر أن تعلن في وقت لاحق عن تكنولوجيا جديدة تعزز من وضوح الأحرف على شاشة الكمبيوتر بحيث تكاد تماثل الأحرف المطبوعة على الورق، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة مبيعات الكتب الإلكترونية.ومن جهة أخرى وعلى الصعيد العربي فإننا لسنا بمعزل عن الثورة الإلكترونية، حيث بدأت العديد من دور النشر في بيروت وغيرها في طبع المزيد من الكتب إلكترونيًا. إضافة إلى ذلك يعد الموقع الذي يرعاه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية من أول المواقع العربية المهتمة بصناعة النشر الإلكتروني وعناصره الرئيسية وعرض أحدث تقنياته وآفاقه المستقبلية.ويأتي عزوف بعضهم عن الكتب الإلكترونية لعدم القدرة على التعامل مع الكمبيوتر أو جهاز القارئ الآلى إضافة إلى ارتفاع أسعار هذه الكتب التي تساوي، في أغلب الأحيان وخصوصًا الشهيرة منها، ثمن الكتب الورقية نفسها. بالإضافة إلى المتعة في ملمس الكتاب وتقليب الصفحات والعلاقة الحميمة التي تربط بين القارئ والكتاب.الكتاب السحري: شكل آخر ومفهوم جديد للكتاب الإلكترونيعمل مجموعة من العلماء في جامعة واشنطن على ابتكار شكل جديد من الكتب أطلقوا عليه اسم الكتاب السحري، له مواصفات الكتاب العادي نفسه، إذ يحتوي على نص مقروء وصور ملونة ويمكن قراءته ببساطة كأي كتاب، ولكن بمساعدة نظارة خاصة، وإذا ما قمت بارتدائها وبدأت القراءة من خلالها فإنك ستفاجأ بخروج الشخصيات من الصفحات وتحركها أمامك في صور ثلاثية الأبعاد، إذا قمت بالضغط على الزر الموجود في تلك النظارة فستجد نفسك تدخل في القصة وتقف أمام أبطالها، وتركض في الأماكن التي تجري بها الأحداث، بل وقد تساعد الأبطال في الحصول على ما يريدون، أو تحذرهم من خطر قادم، وباستخدام أكثر من نظارة عرض يستطيع أكثر من قارئ القراءة في كتاب واحد ورؤية الصور المتحركة، كل من زاويته، وبالضغط على الزر يمكن لهم أو لبعضهم الدخول إلى العالم التخيلي الخاص بموضوع الكتاب، بل ويمكنهم رؤية بعضهم بعضًا، ولكن في صورة شخصية تخيلية من السهل القيام بتغيير ملامحها حسب الرغبة، ليتعرف كل منهم على الآخر في داخل هذا العالم التخيلي، كما يستطيع من لم يدخل هذا العالم التخيلي واكتفى بالنظر للصورة ثلاثية الأبعاد رؤية أصدقائه الذين دخلوا العالم التخيلي في الصورة التي ينظر إليها، ولكن أيضًا كأشخاص تخيليين مصغرين، فعلى خلاف الأجهزة الإلكترونية الأخرى يمكن لهذا الكتاب أن يقوم بنقل الأفراد وبسهولة بين الحقيقة المادية المطلقة والحقيقة التخيلية المطلقة.ما أمكن تطبيقه على القصص، بالتأكيد يمكن أن يطبق على الكتب العلمية وكتب الأحياء مثل تلك الخاصة بالتشريح، حيث سيمكن قارئ كتاب التشريح في المستقبل أن يرى صورة ثلاثية الأبعاد لقلب نابض تقفز من الصفحة وتحت الصورة نص يشرح آلية عمل القلب فما عليه إلا الضغط على الزر الموجود في النظارة ليدخل القلب، ويراه من الداخل، حيث يصبح كإحدى كريات الدم الداخلة إلى القلب.من الأخطاء الشائعة: الكتاب الإلكتروني هو نفسه الورق الإلكترونيمعظمنا يعتقد أن الورق الإلكتروني هو نفسه الكتاب الإلكتروني وهذا ليس صحيحًا. الورق الإلكتروني عبارة عن صفحة من البلاستيك الشفاف بسماكة مليمتر واحد مطبوع عليها شبكة من المربعات تحتوي على كبسولات دقيقة جدًا يتم ملؤها بمحلول داكن اللون، وتُحمل بجسيمات بيضاء دقيقة تشبه شرائح إلكترونية بيضاء فائقة الحساسية تطفو في مسطح من الصبغة السوداء، والشريحة ترتفع أو تنخفض في الصبغة اعتمادًا على الشحنة أو الحمل الكهربي عند اتصال الشاشة بمصدر كهربائي، ويعمل التباين بين الأبيض والأسود على عرض المحتويات المختلفة التي ترسلها وحدة المعالجة الرئيسية للحاسب أو الجهاز الذي تعمل معه الشاشة، ومن ثم تقوم هذه الشرائح الإلكترونية الدقيقة بدور أشبه بالدور الذي يقوم به الحبر عند الكتابة به على الورق، ومن هنا جاءت التسمية بالحبر الإلكتروني. ويتحول الحبر الإلكتروني إلى اللون الأسود عند تمرير تيار كهربائي معلوم الشدة والاتجاه، ويعود لحالته الأولى مع زوال المؤثر الكهربي. وتتحرك الجسيمات من أحد جانبي الكبسولة إلى الجانب الآخر؛ لتترك بذلك رقعة بيضاء أو داكنة اللون، حسب الحاجة. وعندما يتم إطلاق شحنة كهربية فإنها تتسبب في تحريك الجزيئات من جهة من الكبسولة إلى الجهة الأخرى، وبالتالي تكوين بقعة واحدة غامقة أو سوداء شبيهة بالحبر العادي، وبالتحكم في عدد الكريات السوداء والبيضاء، وفي توزيعهما معًا يتم التحكم في عرض البيانات والنصوص والصور بصورة آنية.ويعمل الورق الإلكتروني ببطاريات صغيرة لمدة شهور عدة، وتتمتع هذه التقنية الجديدة بثلاثة عناصر تُعتبر فريدة من نوعها من حيث الخصائص العلمية، فهناك الحبر الإلكتروني، وهو العنصر الذي يضيء بلونين غامق أو أسود، وآخر فاتح قريب من البياض، وهناك الإلكترونيات البلاستيكية التي تتحكم في الحبر الإلكتروني، والتي لها القدرة على تكوين الأشكال والتعرف عليها، وهناك ـ ثالثًا ـ نتاجهما وهي لوحة الكتابة الإلكترونية المرنة، وقد حصل العلماء الثلاثة الذين قاموا بتطوير البلاستيك الموصل للكهرباء على جائزة «نوبل» عام 2000م. والهدف النهائي من وراء ذلك هو الوصول إلى شاشات في سمك الورق العادي تعمل مع الحاسبات الشخصية الرقمية وغيرها من الأجهزة الأخرى، وتكون قادرة على التعامل بسهولة مع تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية، بحيث تسمح بتغيير محتواها وعرض محتوى جديد عليها لاسلكيًا من جهاز آخر، وتكون أيضًا قادرة على الاحتفاظ ـ لفترة مناسبة ـ بصورتها وشكلها وما بها من محتوى عند قطع الكهرباء. وقد وضع المتخصصون هذا الهدف باعتبار أن الشاشات غالبًا ما تكون هي أكثر مكونات الحاسب استهلاكًا للطاقة، وربما تكون الأغلى سعرًا في بعض الحالات؛ ولذلك يسعى المصنعون دائمًا إلى طرق لتحسين كفاءة البطارية وطول فترة التشغيل والتكلفة المنخفضة، والمتوقع أن يكون الجيل الأول من هذه الشاشات أحادي اللون أي أبيض وأسود وليس ملونًا؛ لأنها ستكتب بالأسود على خلفيات ضوء أبيض، ومن ثم فهي لن تدعم الصور الملونة أو أفلام الفيديو السريعة، ومن ثم ستستخدم بشكل متخصص مع أدوات بعينها مثل الكتاب الإلكتروني والمساعدات الرقمية الشخصية، من أجل ميزتها العالية في استهلاك مقدار أقل من الطاقة مع درجة وضوح ونقاء عالية جدًا.وطبقًا للمعلومات التي أتيحت عن هذه التكنولوجيا التي تم نشرها بالمجلات العلمية، وجرى بثها على بعض المواقع الإخبارية بالإنترنت، فإنه من المتوقع أن تظهر هذه الشاشات بشكل تجاري في الأسواق بحلول عام 2005.وجدير بالذكر أنه تم إنتاج أول ورقة إلكترونية من الحبر الإلكتروني والترانزستورات العضوية البلاستيكية عن طريق الأبحاث المتطورة لشركتي إي إنك ولو سينت تكنولوجيز في عام 2001م.الكتاب التقليدي (المطبوع) في مواجهة الانفجار التكنولوجييعد اختراع الكتابة في وادي الرافدين والنيل ثم الطباعة على يد غوتينبيرغ في ألمانيا ومن ثم الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية من المظاهر الحضارية التي يفتخر بها بنو البشر أينما كانوا، وقد تغيرت طريقة التعامل مع الحرف والكلمة عبر العصور، فبعد أن ابتدأت على الرقم الطينية التي استخدمها السومريون قبل ما يزيد على الخمسة آلاف وخمسمئة عام، ومن البردي والرق انتقلت إلى الورق وبقيت هكذا لفترة طويلة من الزمن لتنتقل بعد ذلك وفي منتصف القرن الماضي إلى الطريقة الرقمية التي بدأت تسود ما عداها وبسرعة كبيرة. فهل سينتهي عصر استخدام الورق ونعود لاستخدام الرقم وتبقى الشاشة الطريقة الوحيدة للاطلاع على الكلمة وكل ما يتصل بها من نتاجات فكرية أخرى؟ وهل سيصبح الورق من خزائن التاريخ كما حدث للرقم الطينية والبردي والرق؟ وهل سيأتي طفل في عام 2080م وقد وجد شيئًا غريبًا يسأل والده «ما هذا؟» لأنه لم يسبق له أن رأى كتابًا قط؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة!