الإبداع الفني أو الأدبي له تأثيره المتميز على نفسية المتلقي وفكره سواء أدرك المتلقي ذلك أو لم يدركه، إن البهجة أو المتعة التي يخلفها الأثر الأدبي، أو استئناف التفكير في المشاكل أو الصراعات التي يطرحها الفنان، أو اتخاذ موقف من المواقف، إنما ينبع ذلك كله مما نسميه بالتأثير، حتى ولو افترضنا أن الفنان كان جمالياً صرفا، وتلك المصطلحات التي نقرأ عنها في التراث المسرحي القديم عند الإغريق أو الرومان كالتطهير أو التعاطف أو التسامي وما إلى ذلك، إنما ترمز في جملتها إلى الأثر التربوي للإبداع، كما تعبر عن التفاعل الوجداني بين ذلك الأثر والمتلقي، ولا نستطيع أن نفصل المضمون الفكري عن الشكل الفني في هذا التصور، فكلاهما ترجمة متلاحمة للإبداع الصحيح.
والأدب الإسلامي يتمثل ذلك المفهوم، ويوظف إمكاناته المختلفة في إحداث الأثر الإيجابي، المرتبط بذات الأديب المسلم وتصوراته وتطلعاته، ويأتي هذا تلقائياً دون تصنع أو زيف، لأن التكلف يوهي من عرى الإبداع، ويعطل من تأثيره الفعال، ويهبط بمنزلة الأديب إلى مرتبة تجعله قاصراً عن القيام بدوره، في تخليص الإنسان من الوثنية والانحراف والتخبط، وتعزله عن دوره الحضاري والاجتماعي.
يقول الدكتور منير بشور: إن العلاقة بين الإبداع والتربية قد بدىء الاهتمام بها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهي تنقسم إلى فترتين رئيستين الأولى يمكن تسميتها بالفترة الانطباعية أو الاستنباطية وهذه تبدأ مع العالم "فرنسيس جالتي" الذي كتب عام 1869 حول موضوع الإبداع واعتبره عملية وراثة، أما الفترة الثانية فهي الفترة التجريبية أو الاستقرائية التي بدأت مع السلوكيين، وبلغت ذروتها بعد تجارب العالم الامريكي "جلفورد" وهي التجارب المشهورة في أوائل الخمسينيات... ولا شك أن الفترة الانطباعية تختلف عن التجريبية، وذلك بأن الذين بحثوا في عملية الإبداع ودوافعه استندوا إلى قراءاتهم الخاصة (بالنسبة للانطباعيين) لشخصيات أبطالهم، واستخدموا وسائل الاستنباط والمنطق الداخلي للتوصل إلى خلاصاتهم دون استقراء آراء وأفكار هؤلاء الأبطال أنفسهم بشكل مباشر، بينما _على العكس من ذلك _ توصلت الفترة التجريبية إلى خلاصاتها استناداً لاستجابات أشخاص محددين على أساس دوائر وامتحانات ذكاء أو امتحانات إبداع واستجابات على أنواع.
ومن الضروري التأكيد على أن الطريقة الثانية التي تستخدم الدوائر والامتحانات لم تؤد بالضرورة إلى نتائج أهم أو حتى أقرب إلى الصحة والقبول، فالمسألة تعود إلى اختلاف فلسفي عميق بين طريقتين في المنهج...