نظرة الإسلام إلى الغذاء والتغذية
لما كانت الزراعة ضرورية لتوفير الغذاء وتأمين احتياجات الإنسان منه، فقد حث الإسلام على الاهتمام بالزراعة باعتبارها الركيزة الأساسية في بناء الاقتصاد القوي وتأمين الحياة الكريمة، وباعتبارها المصدر الأساسي والرئيس في توفير الغذاء ، فقال صلى الله عليه وسلم : "لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة". رواه مسلم عن جابر بن عبدالله، وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل " رواه أحمد عن أنس بن مالك.
كما حث الإسلام على تنمية القطاع الزراعي وزيادة رفعته من خلال حثه على إعمار الأرض البوار واستصلاحها بالزراعة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " من أحيا أرضا ميتة فهي له" ، رواه الترمذي عن جابر بن عبدالله، كما نهى الإسلام عن كل ما يؤدي إلى الضرر بالقطاع الزراعي ويتسبب في الإخلال بالأمن الغذائي ، فقال عليه الصلاة والسلام : "من قطع سدرة صوب الله رأسه بالنار" ، رواه أبو داوود عن عبدالله بن حبشي. ()
وقد أشار القرآن الكريم على هذا المعنى من خلال نهيه عن الفساد والإفساد في الأرض، والذي يتضمن الإضرار بالثروة الحيوانية والنباتية ، فقال تبارك وتعالى: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} البقرة (205).
ونظرا لما يتطلبه الحصول على الغذاء من بذل للجهد والوقت ، ولما يحتاجه ذلك من تطوير لأساليب العمل والإنتاج والتصنيع، ومنه الإنتاج والتصنيع الزراعي، فقد حث الإسلام على العمل والاحتراف والكسب الحلال الطيب، لقوله صلى الله عليه وسلم : " خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح" رواه أحمد عن أبي هريرة ، وقال عليه الصلاة والسلام حاثا على الأكل من كسب اليد الحلال: " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" ، رواه البخاري. كما دلت الآية الكريمة على ضرورة السعي في طلب الرزق والسير في الأرض وبذل الجهد في سبيل تأمين الرزق ، فقال جل من قائل: { هو الذي جعل الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} الملك (15).
وقد حث الإسلام أتباعه على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات بغية التعرف على نعم الله وعطاياه ، والتي من أظهرها أنواع الطعام المختلفة ، قال جل وعلا : { ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، قليلا ما تشكرون} الأعراف (10)، وقال عز من قائل : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} البقرة (172) .
كما حرم الإسلام على أتباعه حرمان أنفسهم من التمتع والتلذذ بطيبات ما أحل لهم من الرزق فقال جل وعلا: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} وبين أن في ذلك تعديا على حدود الله وتجاوزا لأوامر ، فقال جل وعلا في آخر الآية : { ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين} المائدة (87) . وقال جل من قائل: { وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون} المائدة (88). وفي الربط ما بين التقوى والأكل من رزق الله دليل واضح وصريح على ضرورة الالتزام بمنهج الله وتطبيق أوامر واجتناب نواهيه، فيما يتعلق بالحصول على الغذاء وتناوله ، والتأكيد على ضرورة الحرص على الحلال وتجنب الحرام، لما لذلك من تأثير كبير على حياة الإنسان وسلوكه ومعاشه.
ويظهر اهتمام الإسلام بالغذاء من كونه يشكل مع قضية الأجل القضية المحورية والعمود الفقري في حياة الإنسان، وتبلور أفكاره وتبديد هواجسه، وكثيرا من الحروب الأزمات النزاعات والخلافات في العالم سببها اقتصادي أو نتيجة لأزمة غذاء