لم تزل دائرة المواجهة بين الإسلام والغرب تتسع وبوتيرة تصاعدية، كما ليس بخاف على أحد الدوافع المعادية للإسلام التي ما فتئت تؤجج روح الكراهية والعداء، فمن تلك الدوافع ما يتصل بالخلفية التاريخية، ومنها ما يتعلق بالمخاوف الراهنة أو المستقبلية من امكانية أن يستأنف الإسلام دوره الحضاري.
ولعل مجلة التايم الأمريكية أفضل مَن عبر عن هذه المخاوف، وعكس تلك الهواجس حينما اختارت، في أحد أعدادها، الإسلام موضوعاً للغلاف، ونشرت صورة لمئذنة ومدفع يعانقان السماء، وتساءلت هل يجب على العالم الخوف من الإسلام؟ وتحت عنوان (سيف الإسلام) تحدثت عما جرى في ايران وأفغانستان والجزائر والسودان، وأبدت تخوفها من كون الإسلام هو الحل، ومن المسلمين الذين يحملون السلاح في المد الديني عموماً الذي تطلق عليه اسم (المتطرف) خصوصاً.
وإذا ما استحضرنا الجهود الحثيثة التي تبذلها المخابرات الدولية لمحاربة الإسلام والحركة الإسلامية في الوطن الإسلامي، وما ترصده من مبالغ طائلة، لتحقيق الأهداف المتوخاة لصالح النفوذ الغربي.. فإن الصورة تتضح أكثر فأكثر.
وإذا ما تأملنا الجهود التي تقوم بها الصهيونية العالمية وأجهزة المخابرات التابعة لها، والمديات البعيدة التي بلغتها، فإن ملامح المخطط الرهيب لضرب الإسلام، واقتلاع جذوره قد اتضحت معالمها. الأمر الذي يدعم ما قيل عن وجود اتفاقية قائمة بين كل من: المخابرات المركزية الأمريكية، والباب يوحنا بولس الثاني، والمخابرات الاسرائيلية، والتي أشار إليها وكشف النقاب عنها كل من: (جوردون توماس) و(ماكس مورجان ويت) في كتابهما (في دهاليز الفاتيكان) الذي صدر عام 1982. وتتضمن هذه الاتفاقية ثلاث مراحل: عقد الثمانينات لضرب الشيوعية، عقد التسعينات لضرب الإسلام، ومطلع القرن الحادي والعشرين لتوحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما.
وهنا لابدّ من التنويه إلى أن أمثال هذه المخططات لم تعد منحصرة في (دهاليز الفاتيكان)، وإنما بدأت تطلق جهاراً في وضح النهار!
- تداعي خواطر.. أم ماذا؟
أعلن أكثر من مسؤول في الغرب، ومنهم الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون، أن العدو الباقي والذي يتعين مواجهته الآن إنما هو الإسلام، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بتضافر جهود المخابرات المركزية الأمريكية والجهاز السياسي – الديني للفاتيكان، وهي نفس الأجهزة التي تتصدر العمليات حالياً... والمتواطئة بصورة أو بأخرى في تلك اللعبة الدائرة لمحاصرة الإسلام والمسلمين، والتي كان يتوقع لها البابا يوحنا بولس الثاني ان تتم قبل الحادي والثلاثين من شهر كانون الأوّل عام 1999!! كما أورد مؤلفا كتاب "في دهاليز الفاتيكان"!
ومن المثير حقا أن نجد دعوة صريحة وعلنية موجهة إلى البابا، وهي تتضمن روح ونص الاتفاقية التي أشار إليها الكتاب المذكور، فهذه إحدى أبرز الصحف الفرنسية تنشر مقالاً خطيراً بقلم (جاك ديكورنوا) وهو يتحدث عن ازدياد توغل البابا يوحنا بولس الثاني في المسرح العالمي السياسي والديني أكثر من أي وقت مضى.. ومما جاء في المقال: "كان لابدّ للفاتيكان من تدبير حملة صليبية جديدة.. حملة صليبية ضد الإسلام، تتخذ شكل الكاسحة الدولية، أو (النشّابة) الدولية كما أطلق عليها، خاصة بعد أن تم السيطرة دينيا على أمريكا اللاتينية، بالاتفاق مع واشنطن، ومنع أية منظمات ذاتية حرة في أفريقا السوداء، وسحق الشيوعية أخيرا، فلا يبقى أمام البابا إلّا توجيه المد الكاسح إلى الأصوليين الإسلاميين، ليقوم بعدها بمهمته الأخيرة، وهي دمج الكنائس المسيحية بأسرها، تحت لواء روما الكاثوليكية. وليس لدينا من تعليق سوى أن نتساءل: هل هذا تداعي خواطر أو تلاقح أفكار أم ماذا..؟!
- الترويج لنظرية صدام الحضارات:
وتأسيساً على ما تقدم، ينبغي رصد كل المقولات الغربية التي تدعو إلى منطق المواجهة وتتبنى فلسفة الاستئصال للوطن الإسلامي، وفي مقدمة هذه المقولات هي تلك النظرية التي يتم الترويج لها، على نطاق واسع، وبشكل ملفت، و"المبشرة!" بحتمية تصادم الحضارات، وقد طرحها بصياغة جديدة (صموئيل هنتنغتون) عالم السياسة المعروف بعد أن كانت روحها تسري في الجسد الغربي منذ أمد بعيد..
وبدون فهم هذه النظرية لا يمكن استيعاب سياسات العداء للإسلام، والتطبيقات المعاصرة في فلسطين المحتلة، والبوسنة والهرسك، والشيشان، وبورما وكشمير.. إلخ، وكذلك لا يمكن فهم مناصرة الغرب لحكومات القمع في الوطن الإسلامي، ومحاصرة الشعوب المسلمة، كما لا يمكن فهم هذه الحملة المسعورة في وسائل الإعلام العالمي ضد الإسلام، واتهامه بتصدير الارهاب والعنف إلى أرجاء المعمورة.
أما رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق (نيوت غينغريتش) فها هو لا يتوانى عن الإعلان، وبمنتهى الصراحة، أمام ضباط من المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات، خلال مؤتمر عقد في 8 شباط (فبراير) 1995، بأنّه أصبح لزاماً عليه دراسة استراتيجية متماسكة لمحاربة (الاستبداد) الإسلامي..
وهكذا تتجلى، يوماً بعد آخر، طبيعة ما يضمره لنا الغرب من مخططات صليبية انتهى من وضع بعضها، فيما ينتظر البعض الآخر اللمسات الأخيرة.
- إحصاءات تنصيرية:
وفيما لو اطلعنا على الاحصائيات التي تتحدث بلغة الأرقام حول حركة التنصير العالمي فسيصاب المسلم الغيور بالدهشة والقلق، إذ بثت النشرة الدولية للبحوث الارسالية للمسيحية نشرة احصائية عن التنصير وأنشطته في العالم لعام 1991م، أشارت الاحصائية إلى أن المؤسسات التنصيرية ووكالات الخدمات المسيحية بلغ عددها (120880) وكالة ومؤسسة، كما بلغ دخل الكنائس العاملة في مجال التنصير (9،320) بليون دولار، وأنفقت (313) بليون دولار، لخدمة المشاريع المسيحية وحققت الارساليات الأجنبية دخلاً مقداره (8،9) بليون دولار، كذلك يعمل في مجال خدمة التنصير 82 مليون جهاز كمبيوتر لحفظ ونشر المعلومات، كما صدر 88610 كتاباً، و14900 مجلة أسبوعية، وقد وصل عدد الأناجيل الموزعة مجاناً 53 مليون نسخة، أما محطات الإذاعة والتلفاز المسيحية فتبلغ 2340 محطة. وبحسابات اقتصادية إذا جمعت هذه الأرقام تكون النتيجة لميزانية دعم العمل التنصيري لعام واحد فقط (1991م) 181 مليار دولار!!
وما تجدر الاشارة إليه أن هناك مائة إذاعة عالمية تستهدف العالم الإسلامي، ويقرر أحد الباحثين المصريين من خلال دراسته التي استغرق في اعدادها أربع سنوات أن التبشير أصبح عالماً مخططاً، تحددت فيه الأهداف والوسائل والاجراءات، وبرزت فيه الاذاعات المسموعة، لتتصدر الوسائل جميعاً، وأن المتأمل لأنواع هذه الاذاعات وتوزيعها على خارطة الأثير، واللغات واللهجات التي تستخدمها سوف يدرك بوضوح أنها تولي كل اهتمامها لمناطق آسيوية وأفريقية بالذات، وهي المناطق نفسها التي توجد بها الكثافة السكانية المسلمة.. ومن بين هذه الإذاعات (إذاعة حول العالم). وحي إذاعة تملك محطات للبث واستديوهات لانتاج البرامج في أكثر من خمسين دولة، وتوجه ارسالها بأكثر من خمس وثلاثين لغة من بينها اللغة العربية.
ويطول بنا المقام لتقصي أساليب التشويه والاساءة إلى الإسلام، التي تتبعها الأجهزة الصليبية، بكل مرافقها الكنسية والعلمانية – على حد سواء – حتى يمكن القول إن ذلك بمثابة عمل لاطائل تحته... وسنكتفي هنا بانتقاء ثلاثة نماذج نلتقطها عن عواصم الغرب الكبرى (واشنطن، لندن، باريس).. ففيها ما فيها من دلالات.. نتركها تتحدث عن نفسها.
- نماذج منتقاة.. للافلاس:
ففي العاصمة واشنطن وفي خريف عام 1992م، وجهت مجلة (البيت والحديقة).. (وهي أكبر المجلات الأمريكية المتخصصة في الديكور) اهانة جديدة للإسلام والمسلمين: حينما نشرت على غلافها موضوعاً مصوراً عن ديكورات تلك السنة،. كان أهم ما في الموضوع أن السجاجيد والبسط التي طرحتها، لم تكن من اللوحات الفنية أو ما يعلق على الجدران، وإنما كان بمثابة فرش لأرضيات المنازل والتي من المفترض أن تطأها الأقدام، حملت نقوشها عبارة إسلامية مقدسة تمثلت بشهادة المسلمين بأن: (لا إله إلّا الله محمد رسول الله)، حيث كتبت وطبعت بالخط العربي الجميل.
أما في العاصمة البريطانية لندن، ومن العام نفسه (1992)، فقد عرضت متاجر فالنتينا البريطانية في مدن نوتنغهام، وليستر، وبيربورو أحذية نسائية كتبت عليها شهادة (لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله)!!
أحد زعماء المسلمين في نوتنغهام – إحدى ثلاث مدن تباع فيها هذه الأحذية – قال: "إن كتابة الشهادة على الأحذية أشد اهانة للإسلام من تلك التي وجهها الكاتب المرتد سلمان رشدي في روايته (الآيات الشيطانية) فعندما كتب سلمان رشدي روايته كانت سيئة بالفعل، ولكنها على الأقل تحمل في اليد"!
وطالب الزعيم الإسلامي بسحب تلك الأحذية من السوق والتقدم باحتجاج لدى الحكومة.