استطاع الشعب الهولندي أن يحافظ على هويته المتفردة بين شعوب العالم المختلفة، ويعود ذلك إلى حد كبير لنظام التعليم في بلادهم، حيث يعتبر الشعب المتعلم على نحو طيب أول المتطلبات الضرورية لتحقيق مستوى رخاء مرتفع.وتعتبر الدراسة في هذا البلد إلزامية حتى سن السادسة عشرة. وتتولى الحكومة تمويل جميع مراحل التعليم بدءاً بالمرحلة الابتدائية وانتهاء بمدارس البحث بعد التخرج. وتحرص الحكومة على مستويات التعليم من خلال مراقبي الوزارة المكلفين بهذه المهمة.ولا يعتمد التعليم على نظام رسمي، حيث لا تملي الحكومة أي منهج أو نصوص تعليمية معينة، ولا تتبنى أي فلسفة تعليمية خاصة، وإنما تكتفي بوضع القواعد الخاصة بمدة الدراسة، ومستويات الإنجاز التي يجب تحقيقها، ونجم عن ذلك تمتع هولندا بقطاع عريض من المؤسسات التعليمية لكل منها شخصيتها المتفردة، بل وأحياناً خلفيتها الفلسفية الخاصة بها.
إن هولندا بلد يجل التعليم ويحترمه للغاية، ويكفي للدلالة على ذلك أن نعلم أن بمقدور المرء أن يلتحق بالمدرسة في أي عمر، ولا يهم في ذلك الشأن أن تكون في الرابعة، أو الرابعة عشرة، أوالأربعين، أو حتى في الثمانين من العمر، فقد أعدت الحكومة مدارس وبرامج تدريبية مختلفة لكل الأعمار.الهيكل التعليمييتكون الهيكل التعليمي في هولندا من مرحلتين إلزاميتين هما: المرحلة الابتدائية وتستمر ثماني سنوات، والمرحلة الثانوية وتستمر ما بين أربع إلى ست سنوات، بحيث يمضي معظم الأطفال 12 عاماً دراسياً على الأقل، ولنتناول ذلك الأمر بمزيد من التفاصيل على النحو التالي:أولاً: مرحلة التعليم الابتدائييبدأ معظم الأطفال في هولندا الدراسة بمجرد أن يتموا السنة الرابعة من العمر، إلا أنهم غير مضطرين إلى التبكير بالدراسة؛ لأن التعليم لا يصبح إلزامياً إلا عندما يبلغ الطفل سن الخامسة. لكن كثيراً من الآباء يرون في انخراط الأطفال في الدراسة من سن الرابعة فوائد عدة، أبرزها التعود على المدرسة، وتعلم اللغة الهولندية وفهمها والتحدث بها، خصوصاً أن هذا الأمر مهم للغاية للأطفال الذين يتحدثون لغة مختلفة في البيت.وتتفرد هولندا بطول فترة التعليم الإلزامي، بحيث يصبح لزاماً عليه أن يبدأ الانخراط في التعليم منذ اليوم الأول في الشهر التالي لإتمامه العام الخامس مباشرة. فإذا بلغ الطفل على سبيل المثال، عامه الخامس في 18 مارس، يتوجب عليه أن يبدأ الدراسة في الأول من شهر إبريل التالي مباشرة، وتنتهي فترة التعليم الإلزامي بنهاية العام الدراسي الذي يبلغ فيه الطفل عمر السادسة عشرة. وينتهي العام الددراسي عادة في شهر يوليو. فإذا بلغ الطفل عامه السادس عشر في 18 مارس فسينتهي تعليمه الإلزامي الكامل في شهر يوليو من العام نفسه.إلا أن هذا لا يعني نهاية تعليمه الإلزامي نهائياً، حيث يتوجب على جميع الأطفال الاستمرار في الذهاب إلى المدرسة لمدة يومين أسبوعياً لعام آخر، وهو ما يسمى بالتعليم الإلزامي الجزئي.حينما يصل الطالب إلى السنة الثامنة والأخيرة في المدرسة الابتدائية، يتوجب على ولي أمره أن يختار مدرسة ثانوية، ويكون هذا بمساعدة ناظر المدرسة أو مدرس الفصل، وقبل بداية الإجازة الصيفية.تلتزم المدرسة بمنح ولي الأمر قائمة بالإجازات والعطلات التي ستقع خلال العام الدراسي، وذلك ليتسنى للعائلات تنظيم جدولها. ولا يسمح للطالب بالتغيب عن المدرسة دون سبب جوهري. ويعتبر التغيب مخالفة تستوجب العقاب، بل وأحياناً المحاكمة.تتوفر المدارس الابتدائية في جميع القرى والمدن تقريباً، ومن ثم لا يجد ولي الأمر عناء شديد في اختيار مدرسة قريبة من مسكنه، خصوصاً أن غالبية المدارس تدرس الموضوعات نفسها تقريباً.مدرسة عامة أم خاصة (أهلية)؟تتولى الحكومة مصروفات جميع المدارس الابتدائية تقريباً في هولندا، ويشمل ذلك المباني، ورواتب المعلمين، والكتب وكراسات التدريب. ويحدد القانون عدد ساعات الدراسة التي يتوجب على الأطفال حضورها أسبوعياً، والمواد الدراسية التي يتلقونها. وقد شيدت السلطات المحلية كثيراً من المدارس، وتتولى إدارتها، ونعني بذلك المدارس العامة.ويسمح للآباء وأولياء الأمور بإنشاء المدارس بأنفسهم، بشرط أن يتوفر العدد الكافي من الطلاب للقيد في هذه المدارس، ويلتزم المعلمون باتباع اللوائح التنظيمية الخاصة بهذا الأمر، وتتولى الحكومة دفع مستلزمات المدرسة. وأكثر هذه المدارس يتولى إنشاؤها أناس ذوو ديانة أو فلسفة معينة مثل المدارس الرومانية الكاثوليكية، والبروتستانتية، والإسلامية، والهندوكية، واليهودية.وتسمى هذه المدارس «مدارس ذات إدارة أهلية» أو خاصة. وهناك مدارس أيضاً خاصة ينشئها الآباء، الذين يعتقدون أن من الواجب أن يتعلم الأطفال بأسلوب مختلف، وهذه المدارس لا علاقة لها بالميول الدينية أو الفلسفية، مثل مدارس مونتسوري، ودالتون، وجينبلان، وفرينت، ورودلف شتينر.المقررات الدراسية وأساليب التدريسيحدد القانون بعض المواد التي يتوجب على المدارس تدريسها، ويترك للمدارس أن تقرر بنفسها أسلوب تدريس هذه المواد، والكتب التي يستخدمونها في ذلك. ويمكن أن تختلف أساليب التدريس من مدرسة إلى أخرى. وتتولى جميع المدارس تعليم الأطفال القراءة والكتابة، والتحدث بلغة هولندية طيبة، والقيام بالعمليات الحسابية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مواد متنوعة تهتم بالعالم الذي نعيش فيه مثل الجغرافيا والتاريخ والعلوم وأمن الطرق وسلامتها. وتقوم بعض المدارس بتدريس هذه المواد مجتمعة فيما يسمى بـ«الدراسات البيئية». وأخيراً، هناك مواد يتعلم الأطفال أن يستخدموا فيها أيديهم وأصواتهم وأجسامهم مثل الألعاب الرياضية، والرسم، والحرف اليدوية، والموسيقا... إلخ. وتقوم المدرسة أيضاً بتعويد الأطفال سلوكيات اجتماعية للتوافق مع أصدقائهم في المدرسة، وتدّرس كثير من المدارس التربية الدينية للأطفال.مساعدات إضافيةتتوفر في بعض المدارس مساعدة إضافية للأطفال الذين لا يتحدثون اللغة الهولندية، أو لا يجيدونها، فتوفر تلك المدارس معلماً إضافياً لمساعدة هؤلاء الأطفال على تعلم اللغة. وهذا الأمر مهم جداً لأن كل المواد يتم تدريسها باللغة الهولندية.وفي بعض المدارس، تتوفر دروس للغة وثقافة الأقليات، حيث يستطيع الطفل أن يتعلم لغة بلده الأصلية، وهذه الدروس ليست إلزامية، وهي عبارة عن خمس ساعات كل أسبوع، نصفها قد يكون خلال ساعات الدراسة المعتادة، والنصف الآخر خارج وقت الدوام. ويمكن تعيين مدرس لتلك اللغة والثقافة، إذا رغب عشرة طلاب أو أكثر في الانتظام في تلك الدروس.وحرصاً على ألا يقضي الشعب في هولندا إجازته في وقت واحد، تم تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق، على أن تنتهي الإجازة المدرسية الصيفية في كل منطقة في وقت مختلف، ومن ثم يختلف وقت بدء الدراسة أيضاً في كل منطقة، ومن شأن هذا التنظيم أن يمنع التكدس، ويساعد على رواج السياحة والتنزه لفترات أطول، ويحد من ارتفاع تكلفة الإجازات لتعدد المواسم.ساعات الدراسةتقرر كل مدرسة لنفسها متى تبدأ الحصص وتنتهي. ويتوجب على طلاب الصف الخامس إلى الثامن الابتدائي أن يمضوا ألف ساعة دراسة على الأقل سنوياً. لكن طلاب الصف الأول إلى الرابع يمضون ساعات أقل. وتقرر المدارس بنفسها كيف تعالج الفرق في الساعات الدراسية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتمتع الصفوف الأربعة الأولى بفسحة إضافية أو يوم عطلة إضافي، ويمكنها أيضاً أن تبدأ يومها الدراسي متأخراً قليلاً، أو تنهيه مبكراً.يذكر أن المرحلة الابتدائية تتكون من ثمانية صفوف وفي نهاية الصف الثامن، يؤدي الطلاب اختباراً نهائياً، وتمثل نتيجة هذا الاختبار عاملاً مهماً في دخول المدارس الثانوية.تكاليف الدراسةالتعليم الابتدائي مجاني في هولندا، لكن معظم المدارس تقريباً تطالب الوالدين بدفع شيء ما لتغطية تكاليف الأنشطة الخاصة، كالحفلات المدرسية والأيام الرياضية والنزهات الخارجية، وذلك خلاف الرحلات المدرسية، التي يتكفل الأطفال بمصروفاتها في حينها.ولا تمثل تلك التبرعات قيداً على تمتع الطفل بتلك الأنشطة في حالة عدم استطاعة والديه المساهمة فيها، علماً بأنها تراوح بين خمسين إلى مئة جيلدر هولندي للطفل الواحد في السنة.مرحلة التعليم الثانويتبدأ هذه المرحلة من سن الثانية عشرة إلى سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة. ويبلغ معظم الأطفال الثانية عشرة من العمر عند تركهم المدرسة الابتدائية، والتحاقهم بالمدرسة الثانوية لاستكمال تعليمهم الإلزامي. وتختلف المرحلة الثانوية للغاية عن المرحلة الابتدائية، بل إنها تمثل تغييراً ضخماً لكثير من الأطفال. فسيضطر إلى أداء الواجبات المنزلية، وربما اضطر إلى السفر على نحو ما للوصول إلى المدرسة الثانوية، ويدرس الطلاب مواد جديدة، ويلتقون معلمين جدداً، ولن يمضوا اليوم الدراسي كله في الفصل نفسه ومع المعلم نفسه كما كان الحال في المدرسة الابتدائية.ويعتمد اختيار الطلاب لأي نوع من مناهج الدراسة الثانوية على مدى أدائهم ومستواهم الذي حققوه في المدرسة الابتدائية، ونوعية الوظيفة التي يرغبون في شغلها فيما بعد. وبناء على ذلك، يجب أخذ تلك الأمور في الاعتبار عند اختيار المدرسة، وذلك على الرغم من أن معظم الطلاب في سن الثانية عشرة مازالوا حقيقة غير قادرين على معرفة ماذا يريدون أن يكونوا حينما يكبرون. إلا أن هذه ليست مشكلة ضخمة؛ لأن المدارس الثانوية بمقدورها أن تنصح الطلاب بعد مضي السنتين الأوليين عن أفضل الطرائق والمسارات التي يجب أن يسلكها حتى نهاية تعليمه. ويحق للوالدين اختيار المدرسة الثانوية لابنهما، لكن المدرسة هي التي تقرر قبول الطالب أم لا. ويتم هذا وفق قواعد محددة. فعلى سبيل المثال، يتوجب على المدرسة أن تأخذ بنصيحة المدرسة الابتدائية.فالدورات الخاصة بالتعليم الثانوي الأدنى العام والتعليم الثانوي الأعلى العام وتعليم ما قبل الجامعة تستلزم إجراء اختبار. أما في حالة التعليم ما قبل المهني، فلا يتوجب على المدرسة أن تدرس مسبقاً هل بمقدور الطالب التوافق مع الدورة أو المنهج أم لا.علاوة على ذلك، تقوم المدرسة الابتدائية نفسها بنصح الآباء لمساعدتهم على اختيار أفضل المناهج المناسبة لأبنائهم، ويستطيع الطفل أو الطالب أن يختار بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية، من أنواع التعليم التالية:- التعليم الثانوي الأدنى (MAVO).-